12 - 05 - 2025

وجهة نظري| خدمة الغز

وجهة نظري| خدمة الغز

"آخر خدمة الغز علقة" مثل شعبى ناطق بالحكمة والعظة والتحذير.. لكن للأسف صرخة الأجداد عبر الأزمنة الغابرة لم تردع كثيرين ممن تجاهلوه فلم يسلموا من قبح وبشاعة ومهانة النهاية.. ولم يردع مصير من آثروا السير على دربهم من تجنب نفس المصير.

حكمة الأجداد تحدثنا عن فجر الغزاة ممن تجبروا وعاثوا في البلاد التي احتلوها فسادا وظلما ونهبا لخيراتها، ولم يفتهم قبل أن يغادروها أن ينكلوا بأهلها إمعانا في الذل.. وفي ظنى أن التنكيل كان يصب أكثر على من مهدوا بخنوعهم وتأمرهم وولائهم وتعاونهم مع هؤلاء الغزاة، فكانوا أيديهم التي تنكل وتبطش، وعيونهم التي ترصد وتنقل وتحكي، ووسائل إعلامهم التي ترهب وتفزع، وتحمل مفاتيح الضغط والتاثير التي تسهل للغزاة مزيدا من الإحكام والسيطرة والبطش.

رحل الغزاة لكن خدامهم لم يرحلوا، تناسلوا وتكاثروا وأورثوا مهانة الخدمة لأبنائهم بالتبنى ممن آثروا السير على نهجهم.. ومن خدمة الغز لخدمة أصحاب السلطة والنفوذ وكل صاحب سلطان انتقلت التبعية، وإن لم تختلف كثيرا في تفاصيلها المذلة، ولانهايتها المهينة.

طريق الخدمة لا يبدو شاقا، ودروسها لاتبدو عسيرة، فقط تتطلب صفات خاصة إن لم تكن موروثة فمن السهل جدا اكتسابها.. هي لاتتطلب غير قليل من الكرامة ويفضل أن تكون معدومة لأن انعدامها سيمكن صاحبه من القفز بسرعة لأعلى المناصب.. حاصدا للامتيازات، ضامنا لرصيد مادى يؤمنه كل المخاطر ويهون عليه تلك العلقة التي يتيقن أنه سينالها بعد رحلته المؤقتة - مهما طالت – في خدمة الغز.

رغم حتمية النهاية ورغم اليقين بالمصير المهين، إلا أن المصرين على تلك الخدمة لايتوانون عن غض الطرف عنها وتجاهلها، بل والأهم أنهم يبذلون قصارى جهدهم لا لتجنبها ،لاسمح الله، ولكن لتأجيلها لأطول فترة ممكنة.

فنجدهم لا يدخرون وسعا في تقديم مزيد من النفاق والتزلف والمجاملة الرخيصة في كل مناسبة تسنح الفرصة بها، ومن غير مناسبة أيضا، حتى وإن تفننوا في تعمدها واختراعها والتهليل لها.

وللحق فإن حبال صبرهم للقيام بذلك الدور لاحدود لها.. وذكاؤهم في تخطى العقبات والزلات والأخطاء لامثيل له، أو إن شئنا الدقة خبثهم وتلونهم لتجنبها وتخطيها يضرب به الأمثال.

أما أكثر ما يقلقهم هو البحث عن مفاتيح كل صاحب سلطان، يكلفهم ذلك بعضا من الوقت وقدرا من الترقب وكثيرا من التنازلات بعدها تنفتح الأبواب المغلقة وتدور عجلة الخدمة ويغترف أصحابها من مغارة كل عصابة ما لذ وطاب.

صورتهم المهينة لاتظهر عوراتهم أمام مرآتهم، فهي لاتعكس فقط سوى الزائف من صورهم الفخيمة المتألقة المدعية التعالى والزهو، أما حقيقة نفوسهم الخربة الصدئة فلا يدركها سوى المترفعون عن خدمة الغز.. الخاسرون بشرف في كل معارك الحياة، من آثروا احترام أنفسهم ولم يسعوا وراء مكاسب مغموسة بإبتذال النفاق الرخيص.. من علت صرخاتهم بالنقد ورصد الأخطاء وإلقاء الضوء على السلبيات أملا في تجنبها ومواجهتها وتحاشيها. ولم يبهرهم ذهب المعز أو يرهبهم سيفه، وآثروا كلمة الحق ونصرته لا خدمة الغز وعلقته.

هي خيارات ستظل ما بقيت الحياة، للغز خدامه وللحق أنصاره، وكل يتحمل تبعات خياراته في صمت.. فلا نهاية الخدمة المهينة رادعا للخدم ولا الحرمان من مكاسبها الزائفة خسارة لمن ترفعوا عن الخدمة.
------------------------
بقلم: هالة فؤاد 

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه